البعد التنموي والأخلاقي لتوطين العمل الإنساني

السبت, 16 أكتوبر, 2021
البعد التنموي والأخلاقي لتوطين العمل الإنساني

ينطلق العمل الإنساني بمفهومه الحقيقي من فلسفة أخلاقية غايتها صون الكرامة الإنسانية، من خلال القضاء على الجوع والفقر والحرمان وتلبية احتياجات الناس المعوزين وتمكينهم من الحياة الكريمة.

 

لدينا إرث مادي كبير يتمثّل بالمواثيق والاتفاقيات الدولية، والقانون الإنساني الدولي، و"الصفقة الكبرى" و"الميثاق من أجل التغيير"، وتقارير التنمية البشرية، والبيانات والإعلانات الأممية المتمخضة عن القمم العالمية المتعلقة بالمعونات الإنسانية للدول النامية، ومساعدتها في إحداث التغيير والنمو المنشودين.

 

وتماشياً مع ذلك انبثقت المرامي الإنمائية الثمانية للألفية الثالثة المتمخضة عن الإعلان العالمي للأمم المتحدة الذي اتفقت عليه 192 من أعضائها، و 23 منظمة دولية، ووقعت عليه عام 2000م، والتي أكدت على تعزيز جهود التنمية، وألزمت الدول الأعضاء على مكافحة الفقر والجوع والمرض والتمييز، وحثت على الاهتمام بالتعليم والصحة وتحسين البيئة وإقامة شراكة عالمية من أجل التنمية (كما نص عليه الهدف الثامن).

 

ورغم أهمية وضخامة التراث المادي والتشريعات والسياسات الداعمة التي تحظُّ على مكافحة الفقر والبطالة وتعزيز وتطوير آليات التنمية البشرية؛ إلا أن الفجوة لا تزال كبيرة بين الإلتزامات والتعهدات التي قطعتها الدول الأعضاء المتقدمة اقتصادياً على نفسها، والمنصوص عليها في الاتفاقيات والإعلانات الدولية والأممية، وبين الوفاء الفعلي بهذه التعهدات، حيث لم تفِ الدول المانحة بما التزمت به من استقطاع ما نسبته 0.7% من الناتج القومي الإجمالي لصالح المساعدات الإنمائية للدول النامية.

 

لقد حان الوقت للوفاء بالتزامات وتعهدات الدول المانحة، فالحروب والكوارث قد خلّفت ملايين الفقراء والمشردين والجوعى، وبتنا في أمس الحاجة أكثر من أي وقت مضى لإيقاف الحروب والصراعات وإحلال السلام وتوسيع مجالات الاستجابة الإنسانية، وتعضيد آليات العمل الإنساني لتحقيق الغايات الكبيرة، وتحسين إمكانية وسبل الوصول إلى المستفيدين وتحقيق أعلى فائدة مرجوة. وللإنصاف، فإن منظمات المجتمع المدني المحلية تتمتع بقدرات كبيرة على الوصول إلى المستهدفين وفي أصعب الظروف وأخطرها، كونها نشأت في البيئة ذاتها، وتتميز بعلاقات واسعة مع أصحاب المصلحة المستفيدين الفعليين من أنشطتها، لأنها امتداد لهم وتعمل من أجلهم.

 

وفي تقديري، فإن من أهم المداخل الرئيسة لبلوغ أهداف التنمية المستدامة، هو توطين العمل الانساني، فمن خلاله يتم تعظيم فائدة الاستجابة الإنسانية وتحسين آليات الوصول إلى المستهدفين، والمساعدة في عملية التعافي، ومن ثم التمكين والإستدامة.

 

وباعتقادي، واستناداً إلى ما جاء في "الصفقة الكبرى" و "الميثاق من أجل التغيير"، فإن أهم الخطوات اللازمة لتوطين العمل الانساني تتم من خلال:

 

  •  إقامة شراكات حقيقية بين المانحين الكبار وشركاؤهم من المنظمات والوكالات الأممية والدولية مع منظمات المجتمع المدني المحلية، بحيث تتجاوز هذه الشراكات عملية التنفيذ كوسيط محلي منفذ إلى الشراكة في التخطيط، ورسم السياسات، وتحديد الاحتياجات، وبناء القدرات، وتوطين الخبرات، واكتساب المهارات، ومن ثم خلق الأفكار الإبداعية وتنفيذها وتحقيق الاستمرارية والديمومة.
  • زيادة التمويل للمنظمات المحلية وتسهيل إمكانية الوصول إلى تمويل مباشر من المانحين وتخفيف العوائق والقيود.
  • اعتماد مبادئ الشفافية والمكاشفة والمحاسبة.
  • إشراك أصحاب المصلحة في التداولات والنقاشات والتخطيط وتحديد الاحتياجات والأولويات.

 

*د. علي البريهي

أستاذ الإعلام والاتصال – جامعة صنعاء

عضو مجلس أمناء مؤسسة تمدين شباب