لمجلة الاستثمار حسين السهيلي: تعافي الاقتصاد اليمني بحاجة إلى الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني.
تبرز مؤسسة (تمدين شباب) ضمن قائمة المنظمات غير الحكومية باليمن التي تنشط في مجال الاستجابة الإنسانية والتنمية وبناء السلام ومناصرة قضايا للمجتمع المدني، وتهتم بتبني المبادرات والحملات من أجل تحسين جودة الاستجابة الإنسانية، والمساهمة في توفير العيش الإنساني الكريم. وبمعرفة الخدمات التي تقوم بها، التقت مجلة (الاستثمار) بالاخ حسين السهيلي مؤسس مؤسسة تمدين شباب، منسق ومؤسس مبادرة توطين العمل الإنساني في اليمن وتحسين آليات الاستجابة الإنسانية، ومنسق مبادرة التعافي والانتعاش الاقتصادي وإعادة الاعمار في اليمن، مستشار الاتحاد العام للغرف التجارية الصناعية اليمنية لتنمية القطاع الخاص والاقتصاد الرقمي...، تفاصيل:
ما هي الخدمات التي تقدمها مؤسسة تمدين شباب؟
مؤسسة تمدين شباب، مؤسسة مجتمع مدني غير حكومية وغير ربحية، تعمل في الاستجابة الإنسانية، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وبناء السلام والتماسك المجتمعي.
تأسست رسمياً في الخامس والعشرين من مارس 2013م، بتصريح رقم (378)، صادر عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في اليمن، وفقاً للقانون رقم (1) لسنة 2001م.
وتسعى تمدين جاهدة للتخفيف من معاناة ملايين اليمنيين من الحرب، وقد وصلت بخدماتها إلى أكثر من 2,879,104 مستفيد ومستفيدة، حتى نهاية العام 2021. حيث تهدف برامجها إلى توفير وضمان الحصول على الخدمات الضرورية كالصحة، والتغذية، والأمن الغذائي، والتعليم، والمياه والإصحاح البيئي، والحماية بدون أي تمييز وبما يحفظ كرامة الإنسان.
وخلال العام الحالي، تركزت مشاريعها وأنشطتها في التمكين الاقتصادي والتماسك الاجتماعي وفق نهج الرابطة الثلاثية الذي يقوم على المواءمة بين الاستجابة الإنسانية والسلام والتنمية. يساعدها في ذلك وجود كوادر وفرق عمل شبابية ذو كفاءات وخبرات عالية في التطوع والابتكار والعمل الإنساني والتنموي. كما تتمتع بشراكات إستراتيجية مع العديد من المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية.
هل أعمال مؤسسة تمدين شباب محصورة في مناطق معينة؟ وماهي الصعوبات التي تواجهونها؟
نطاق عمل المؤسسة في كل مناطق اليمن، ولديها مكاتب رئيسية في صنعاء، وعدن، وتعز، وإب، والمخا، ومكتب إقليمي في العاصمة الأردنية عمان. إلى جانب مكاتب فرعية، وأخرى ميدانية خاصة بالمشاريع التي تنفذها حالياً.
لدى المؤسسة علاقات متزنة ومستقلة مع جميع الأطراف والسلطات المحلية، وتتمتع بشراكات استراتيجية مع وكالات ومنظمات الأمم المتحدة ومجموعة من المنظمات الدولية، ولديها القدرة على الوصول وتنفيذ مشاريعها وأنشطتها في كل محافظات اليمن.
كما أن تمدين شباب هي المؤسسة الانشط والأبرز في قائمة المنظمات غير الحكومية في اليمن في مجال تنسيق عمل المجتمع المدني وإيصال صوته ومناصرة قضاياه، وتهتم بتبني المبادرات والحملات كجزء مهم من عملها لتسخير كافة الموارد والإمكانات المتاحة من أجل تحسين جودة الاستجابة الإنسانية والمساهمة في توفير العيش الإنساني الكريم.
ما تقييمك لشراكات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية مع المنظمات المحلية في عملية الاستجابة الإنسانية في اليمن؟
يواجه دعم المانحين لمنظمات المجتمع المدني في اليمن الكثير من العوائق التي تنتقص من جهودها، ما يؤدي إلى غياب المساءلة فيما يخص الالتزامات بتوطين المساعدات الإنسانية، وبالتالي الحد من قدرة المنظمات اليمنية على تلبية الاحتياجات وبناء أسس صلبة للاستجابة إلى الاحتياجات المستقبلية.
وتُعد الشراكات بين المنظمات الدولية (وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية) مع منظمات المجتمع المدني في اليمن، ضرورية في جهود الاستجابة الإنسانية والتخفيف من آثار الصراع في اليمن، ولكن المنظمات الدولية فشلت في الوفاء بالتزاماتها بتوطين المساعدات الإنسانية في اليمن، والمكرّسة في " الصفقة الكبرى" و" الميثاق من أجل التغيير". وهي حقيقة اعترفت بها بعض وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية.
ماهي الصعوبات والعراقيل التي تواجه عمل منظمات المجتمع المدني في اليمن؟
تواجه منظمات المجتمع المدني في اليمن، العديد من الصعوبات والتحديات في عملها مع المنظمات الأممية والدولية والمانحين، والجهات الحكومية والسلطات المحلية والقطاع الخاص، بالرغم من الدور الحيوي الذي قامت به ولاتزال خلال سنوات الحرب التي اشتعلت منذ العام 2015 م، حيث كانت المنظمات المحلية هي الحاضر الوحيد في حفظ الرمق الأخير من الحياة المعيشية للناس في المدن والأرياف عندما غابت المؤسسات الحكومية وانهارت الخدمات، وغادر الكثير من رجال المال والأعمال البلد لاستثمار الأموال في الخارج، وعجزت المنظمات الأممية والدولية عن الوصول إلى المجتمعات المحلية في مناطق النزاع بدافع الخوف على حياة طواقمها وموظفيها.
ولا تزال منظمات المجتمع المحلية في اليمن تتعرض لعراقيل وإجراءات بيروقراطية، واشتراطات وقيود تعسفية من قبل بعض الجهات الحكومية والوزرات والهيئات العامة، التي يفترض بأنها السند الأول للمنظمات المحلية والداعم الفعلي لتوطين العمل الإنساني في اليمن، لأن وجود منظمات محلية فاعلة وقوية يخفف الكثير من الأعباء على الجهات الحكومية، ويساند جهودها في توفير الخدمات وتلبية احتياجات السكان، فالمنظمات المحلية هي الحاضرة قبل الأزمات وخلالها وبعدها.
كما أن استمرار منظمات المجتمع المدني في تأدية دور الشريك المنفذ لبرامج ومشاريع المنظمات الأممية والدولية، وعجزها عن الوصول والحصول على التمويل المباشر، واعتمادها على المنظمات الممولة في تحديد الأولويات والتدخلات، يمثّل تحديات حقيقية تعيق استدامة المنظمات المحلية، وتحد من فاعلية برامجها ومشاريعها وأنشطتها.
أطلقتم في العام 2021م مبادرة لتوطين العمل الإنساني وتحسين آليات الاستجابة في اليمن، ماذا عنها؟
مع طول أمد الأزمة الإنسانية في اليمن، وفشل عملية الاستجابة التي تقودها الأمم المتحدة في تغيير حياة الناس والمجتمعات المحلية إلى الأفضل، وبسبب استمرار نهجها في التدخلات الطارئة والإغاثية محدودة الأثر المستدام، وتجاهل توجيه الموارد نحو التعافي والتمكين الاقتصادي والتنمية، كان لي شرف الترتيب والتنسيق لإعداد (مبادرة توطين العمل الإنساني في اليمن وتحسين آليات الاستجابة الإنسانية) والتي تم إطلاقها في أغسطس 2021م في بيان مشترك لـ 66 منظمة يمنية غير حكومية، لمواجهة الأزمة الانسانية من خلال منظور اقتصادي وتنموي متوسط وطويل الأجل، يأخذ في الاعتبار أولويات المجتمعات والفئات المستفيدة والجهات الحكومية، وتمكين المنظمات المحلية والتشارك معها في تحديد الاحتياجات والمشاريع ذات الأثر الاقتصادي والاجتماعي المستدام المولدة للدخل وفرص العمل، مع ربط التدخلات الانسانية بالتماسك الاجتماعي والتعافي الاقتصادي والتنمية.
ومن أجل مبادرة التوطين تحملت مسؤوليات كبيرة، وتعرضت لمتاعب كثيرة، لكن ما حفزني في المُضي قدماً هو التفاعل الجاد من الزملاء والزميلات في المنظمات والمؤسسات المدنية، والتجاوب الإيجابي من قبل كثير من المسؤولين في الجهات الحكومية، ولقاءاتنا بمنسق الشؤون الإنسانية ومدير مكتب “أوتشا” في اليمن، وأمين عام المجلس الأعلى لتنسيق الشؤون الإنسانية “سكمشا“، ووزارة التخطيط والتعاون الدولي في عدن، وممثلي عدداً من المنظمات الدولية والشبكات والائتلافات المدنية العربية والعالمية، والاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية، حيث لمسنا من الجميع الإقرار بمشروعية “توطين العمل الإنساني في اليمن ومراجعة النهج الحالي للاستجابة الإنسانية”.
إلى أين وصلتم بمبادرة توطين العمل الإنساني وتحسين آليات الاستجابة في اليمن؟
تم تطوير المبادرة عبر نقاشات تشاركية مع المنظمات المحلية، والجهات الحكومية، والقطاع الخاص، ووكالات الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية غير الحكومية، ليتشكل بعدها فريق لتوطين العمل الإنساني في اليمن، والذي نظم نقاشات تشاورية مع شبكات ومنظمات توطين الاستجابة في العالم، واختيرت مؤسسة إطار كشريك محلي لتنفيذ بحث خط أساس للتوطين في اليمن بالتنسيق مع المجلس الدولي للوكالات التطوعية ICVA، ومؤسسة تمدين شباب.
وبدعم من المجلس الدنماركي للاجئين DRC بدأت مؤسسة تمدين في أكتوبر 2022م بتنظيم لقاءات تشاورية مع أصحاب المصلحة للنقاش حول مؤشرات التوطين التي خرج بها تقرير خط الأساس، والبدء في إعداد استراتيجية وطنية لتوطين العمل الإنساني في اليمن، وخطة المناصرة لها.
ستمثل الاستراتيجية إطار وطني تشاركي لتوطين العمل الإنساني وخطة تنفيذية تضمن تحسين آليات الاستجابة في اليمن وربطها بالتعافي الاقتصادي والتنمية واجراء تغيير هيكلي في نوعية التدخلات وتصميم البرامج والمشاريع، والشراكة في التخطيط والتنفيذ والمراقبة لخطط الاستجابة الانسانية مع الالتزام بأقصى درجات الشفافية في ملف المساعدات المقدمة من الدول والجهات المانحة لليمن.
ماذا عن التعافي الاقتصادي في اليمن والإسهامات التي قُدمت من قبلكم في هذ المجال؟
يعتبر تعافي الاقتصاد اليمني إحدى القضايا الكبرى التي لا تحتمل التأجيل كونها ترتبط بمصائر وحياة أفراد المجتمع ومستقبل بقائهم ومعيشتهم، فضلًا عن مستقبل البلد ككل، وتتطلب تظافر الجهود الحكومية ورأس المال الوطني، ومنظمات المجتمع المدني، والأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالشأن اليمني للاتفاق على إجراءات لإنهاء انقسام مؤسسات الدولة الرئيسية التي تلعب دوراً مفصلياً في اقتصاد اليمن، بما فيها البنك المركزي اليمني، وتشكيل مجلس اقتصادي اجتماعي يكلف بصياغة سياسات عامة تستجيب لمتطلبات المرحلة، والالتزام بآلية واضحة وشاملة لسداد مرتبات القطاع العام على نحو محسوب العواقب، وكذلك ضمان التحصيل السريع والعادل للإيرادات المحلية وفق إجراءات واضحة للجميع، إضافة إلى تحويل أكبر قدر من المنح والمساعدات والقروض، للتعافي الاقتصادي والتنمية والمشاريع المستدامة.
وفي مطلع العام الحالي 2022م، تبنت مؤسسة تمدين مبادرة التعافي والانتعاش الاقتصادي وإعادة الإعمار في اليمن بالشراكة مع الحكومة والقطاع الخاص. ودشنت مرحلة التنسيق والتحضيرات لإعداد برنامج المبادرة، والتقت محافظ البنك المركزي في عدن، وعدد من مدراء البنوك التجارية والأهلية في صنعاء وعدن، والاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية، وغالبية وزراء حكومتي صنعاء وعدن، وجمعية الصرافين، ومجموعة من محافظي المحافظات ومدراء عموم المكاتب التنفيذية، الذين اعلنوا جميعهم تأييدهم للمبادرة والتعاون مع مؤسسة تمدين في إعداد خطط التعافي الاقتصادي، والضغط على المانحين والمنظمات الأممية والدولية بتوجيه المنح والمساعدات نحو التنمية والمشاريع ذات الأثر المستدام، والعمل على تفعيل دور مؤسسات الدولة وتنمية الإيرادات المحلية، والاستثمار في الموارد والثروات الوطنية، وتدريب وتأهيل الشباب والمرأة وتنمية رأس المال البشري.
ونحن ماضون في مهمة التنسيق مع كافة الجهات المعنية أملاً في إعداد خطة وطنية لاستراتيجية التعافي والانتعاش الاقتصادي وإعادة الاعمار في اليمن واعتمادها وإعلانها وتنفيذها.
ماذا عن الشراكة بين منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص في اليمن؟
نبذل جهود حثيثة في منظمات المجتمع المدني لبناء شراكة حقيقة مع القطاع الخاص في اليمن من أجل البناء والتنمية، وتفعيل المسؤولية الاجتماعية التي تحدث أثراً وتغييراً حقيقياً في واقع المجتمعات المحلية، وتظهر الدور الوطني للقطاع الخاص تجاه هذا البلد الذي يمثل السوق المستهلك لمنتجاته والحاضن لاستثماراته.
وندرك نحن في منظمات المجتمع المدني الصعوبات والتحديات التي يتعرض لها القطاع الخاص ورؤوس الأموال، ومنها تردي المناخ الاستثماري. ونقدر دور الاتحاد العام للغرف التجارية الصناعية اليمنية، والذي تمكن في السنوات الأخيرة من الحفاظ على اتصالات وثيقة مع معظم غرف المحافظات، لكن المرحلة تتطلب تنشيط دور الاتحاد، ورفع سقف مطالب القطاع الخاص، وأن يتقدم برؤية طموحة ووطنية عامة ليقوم بدوره في التنمية والتعافي الاقتصادي وإعادة إعمار اليمن.
ولعل من الأولويات المهمة مطالبة الحكومة بالعمل على إعادة الثقة للمستثمرين وإصلاح بيئة الأعمال والسلطة القضائية، والمطالبة بإنشاء الهيئات المشتركة بين القطاعين العام والخاص، والتي من شأنها أن تسهم في توضيح الأدوار والمسؤوليات لجميع المكونات والمرافق التي قد تكون معنية بالشراكة منعاً للازدواجية في العمل.
ويمكن للاتحاد إنشاء قنوات تواصل وآلية فعالة للتنسيق مع القطاع العام ومنظمات المجتمع المدني والجهات المانحة؛ للنقاش حول القضايا التي تؤثر على أداء القطاع الخاص، ومشاركته النشطة، وإيجاد معالجات لانقسام المؤسسات المالية والسياسات النقدية، وتحديد دور القطاع الخاص على صعيد التنمية وجهود إعادة الإعمار والتعافي.
فلا يمكن أن يتعافى الاقتصاد اليمني بدون مساهمة القطاع الخاص ورأس المال الوطني والشركات الكبرى التي تحتاج إلى الحماية، وإصلاح بيئة الأعمال والاستثمار.
كلمة أخيرة؟
تحية خاصة للأستاذ القدير عبدالقوي العديني، رئيس مؤسسة المستثمر للصحافة والتنمية، ومؤسس أول وأعرق مجلة متخصصة بالشأن الاقتصادي اليمني، وسعيد جداً بإطلاق موقع "الاستثمار نت" التابع للمؤسسة بحلة جدية، والذي يغطي أخبار المال والأعمال في اليمن والشرق الأوسط والعالم.