في عامها العاشر… تمدين شباب، العجلة الرابعة نحو العالمية
* عيسى قحطان
نهار الخامس والعشرين من مايو في العام 2013، في شارع جمال في تعز، وُلدت مؤسسة تمدين شباب.
قبل ذلك التاريخ، كانت ثلاثة أعوام ثقيلة وطويلة تمر بها البلاد في الساحة اليمنية على مستوى الوطن من اقصاه الى اقصاه.
فقد الكثير من السكان مصادر الدخل، وانتشرت البطالة، وارتفعت الأسعار بالتزامن مع توقف معظم الخدمات الأساسية عن المواطنين.
كانت الظروف والاوضاع قاسية جداً، وكانت فكرة تأسيس منظمة محلية تُعنَى بالعمل الانساني مجازفة كبيرة أيضا.
ولكن…
من رحم تلك المعاناة والوضع المضطرب ولدت تمدين شباب، لتبدأ مسيرتها منطلقةً وسط الأمواج العاتية .
وابتداء من ساعة الصفر لانطلاقتها، تولت تمدين شباب أعتى القضايا الانسانية وأكثرها تعقيدا وتحديا على المستوى الوطني بلا منافس.
إطلاق المبادرات للسلام والتنسيق لفتح الممرات الإنسانية وامداد المدنيين بمياه الشرب والغذاء وأنابيب الأكسجين للمرضى في مستشفيات مدينة تعز، الى عون الطلاب النازحين ومساعدتهم لمواصلة التعليم في الجامعات، ثم انطلاقا الى كافة قطاعات العمل الإنساني كالصحة والتغذية والمياه والامن الغذائي والمأوى والتعليم، وغيرها.
كما تفردت تمدين شباب بمشاريع التغيرات المناخية وانشطة بناء السلام وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء.
خلال العشر السنوات الماضية، ازدادت الأوضاع المعيشية سوءاً، في ظل توقف شبه تام للخدمات الضرورية للمواطنين، وفي تلكم الفترة وتلكم الظروف كانت تمدين شباب تناضل هي وغيرها من وكالات ومنظمات العمل الانساني في اليمن، لتكون دوما في مقدمة الصفوف ولتكون أول الواصلين لتلمُّسِ المعاناة وتقديم الدعم اللازم في الأوقات العصيبة، حينما يغيب الاخرون.
صيف العام 1997م، كنا على متن طائرة حربية نوع انتينوڤ، اتجهت بنا شرقا من قاعدة الديلمي في صنعاء الى صحراء رماه في حضرموت.
اربعون شابا جمعتنا الصدف من أصقاع البلاد لا يعرف أحدنا الاخر، لتأدية خدمة التجنيد الالزامي بعد الثانوية.
بعد اسابيع قليلة قابلت أحدهم في صحراء رماه، كان اسمه حسين السهيلي، تعارفنا قليلا، وكانت اللقاءات نادرة جدا.
بعد عامين كاملين، عُدنا كلٌّ الى قريته ومدينته، تفرقت بنا السبل، وتشتتنا في بقاع الله.
عشرون عاما مرّت، حين التقيته ثانية في صنعاء، حدثني عن تمدين مذ كانت فكرة وكيف أصبحت واقعا تتصدر صفوف مؤسسات العمل الانساني في اليمن.
زرتها، وعملت فيها، توغلت عميقا ثم غادرتها جسدا ولا زالت الروح هناك في أروقتها.
لكن تمدين ليست كمثيلاتها ولن تكون.
لتمدين شباب ربان ماهر يقدس القيم والفضيلة ويجعلهما قبلته في كافة الأعمال الانسانية التي تنفذها مؤسسة تمدين، بالإضافة الى طاقم بديع، يحب العمل ويتفانى في صقل مهاراته لإنتاج أفضل ما يمكن، يجمعهم الحب والاحترام والايمان بقداسة المشاعر والعمل المشترك.
تناضل تمدين بالحب لمحو آثار الحرب، وتقف موقفاً محايداً لتكون الاقرب والاسرع وصولاً حيثما كان الإنسان.
العجلة الرابعة؛
قبل خمسة أعوام افتتحت تمدين شباب مكتباً لها في عمّان الاردن، كان ذلك أول مكتب لها خارج الوطن، ولا يزال.
على الجانب الآخر، تبرز مؤسسة تمدين شباب كعضو بارزٍ عالميا وبقوة لدى شبكة العمل المناخي CANAW و SPHERE، كما أن تمدين لديها ممثلا في مجلس الادارة العالمي لشبكة التوطين العالمية NEAR.
وبالتوازي، تقود تمدين شباب العديد من المبادرات التي تهدف لوضع النقاط على الحروف لإعادة توجيه وترتيب مسار العمل الانساني على كل المستويات مع نظرة مشرقة لاحتياجات المستقبل التنموية.
حيث تقود مؤسسة تمدين حاليا مبادرة توطين العمل الانساني في اليمن، بالإضافة الى تبني العديد من المبادرات الإنسانية والتنموية.
وخلال العام 2023 حصلت تمدين على العضوية الاستشارية لدى المجلس الاقتصادي للأمم المتحدة.
لكن السؤال الاهم، هل سيقود ذلك تمدين شباب لاستكمال العجلة الرابعة اللازمة للانطلاق نحو العالمية؟
وهل ستتوج تمدين ذلك المجهود الكبير بالتوجه بعيدا لتصبح أول منظمة دولية يمنية المنشأ؟
لعل ذلك قريب، وقريب جداً.