من فكرة شبابية إلى مؤسسة يمنية رائدة
بسام الحكيمي
لم تكن فكرة تأسيس منظمة شبابية تُعنى بالتمدين والمساهمة في النهوض بالمجتمع وحشد طاقات الشباب مجرد مبادرة عابرة، بل كانت تعبيراً عن وعيٍ متقدّم بحجم التحديات والفرص في اليمن. وقد تجسدت هذه الفكرة في عقول شباب يمني طموح، بقيادة الأستاذ حسين السهيلي، خلال عامي 2011 و2012، لتتحول في 25 مايو 2013 إلى كيان مؤسسي حقيقي: مؤسسة تمدين شباب. وكانت باكورة أنشطتها مشروع الرقابة المجتمعية على أداء المؤسسات الحكومية في محافظة تعز، واضعةً مبادئ الشفافية والمساءلة في صميم رؤيتها للتنمية المحلية المستدامة.
ومع بداية الأزمة الإنسانية التي عصفت باليمن في عام 2015، استشعرنا في تمدين شباب مسؤوليتنا الإنسانية والوطنية. فتحوّل تركيزنا بشكل سريع وفاعل نحو رصد الوضع الإنساني المتدهور، ومتابعة أحوال النازحين جراء الحرب، والتواصل مع الفاعلين الدوليين في المجال الإنساني، وفي مقدمتهم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، ومنظمة اليونيسف، ومنظمة الصحة العالمية. وبفضل هذه الجهود، تمكّنت المؤسسة من فتح ممرات إنسانية لإغاثة المدنيين في مدينة تعز، وتوزيع أكثر من 120 ألف لتر من المياه في مديرية المظفر، وتوفير أنابيب الأوكسجين للمستشفيات، إلى جانب دعم مراكز غسيل الكلى بالمياه المفلترة، في ظل ظروف كانت بالغة الصعوبة. وبعدها، وسّعت المؤسسة من نطاق عملها لتستجيب للاحتياجات الملحّة للسكان، لا سيما في مناطق النزاع والنزوح.
لم تقتصر جهود المؤسسة على الإنسان فحسب، بل شملت أيضاً مبادرات فريدة مثل إنقاذ الحيوانات في حديقة الحوبان بمحافظة تعز، والتي انقطعت عنها سبل الغذاء والعناية بسبب الحرب. وقد لاقت هذه الحملة الإنسانية استجابة سريعة من منظمة إنترسوس الإيطالية، ما مكّن من توفير الاحتياجات الطبية والغذائية والتمريضية للحيوانات، في خطوة تعكس عمق الالتزام الإنساني للمؤسسة.
واليوم، ونحن نحتفل بمرور اثني عشر عاماً على تأسيس مؤسسة تمدين شباب، نفخر بما أصبحت عليه من كيان مؤسسي متين ينافس منظمات دولية تمتلك عقوداً من الخبرة. فقد رسّخت المؤسسة حضورها في المجتمع المدني ومنظومة العمل الإنساني بما أنجزته في مختلف القطاعات، من الاستجابة الطارئة، إلى التمكين الاقتصادي للشباب والنساء، والتنمية المحلية، والعمل المناخي، وحماية البيئة.
وبهذه المناسبة، أعرب عن اعتزازي العميق وفخري بما تحقق من إنجازات، وأوجّه خالص الشكر والتقدير إلى المؤسس الأستاذ حسين السهيلي، وإلى كل من أسهم في مسيرة المؤسسة، من فريق عملها الدؤوب، ومن عمل ويعمل فيها موظفاً أو متطوعاً من الشباب والشابات. كما أخص بالشكر شركاءنا الوطنيين والدوليين، ومجتمعاتنا المحلية التي منحتنا ثقتها، وكانت الحافز الحقيقي لكل ما أنجزناه وسننجزه مستقبلاً.
لقد أثبتت مؤسسة تمدين شباب أن استثمار طاقات الشباب، حين يقترن بالإرادة والمعرفة، قادر على إحداث أثر عميق في حياة الناس، والمساهمة في تعافي المجتمعات، بل وقيادة التغيير حتى في أحلك الأوقات وأكثرها تعقيداً.